مبدا الشفافية والمنافسة في قانون 23-12
تُعد الصفقات
العمومية أداةً أساسية
في تسيير الإنفاق
العمومي، إذ تعبّر
عن الوسيلة القانونية
التي تعتمدها الإدارة
لتنفيذ مشاريعها واقتناء
حاجاتها المختلفة ,.
وقد شهد النظام
القانوني المنظّم لها
في الجزائر تطوراً
ملحوظاً، خاصة بعد
الانتقال من المرسوم
الرئاسي رقم 15-247 المؤرخ في
16 سبتمبر 2015، إلى
القانون رقم 23-12
الصادر في 5 أوت
2023، الذي جاء
ليكرّس اهم مبادئ الصفقات العمومية
وهي الشفافية والمنافسة
بشكل أوضح وأكثر
صرامة.وسنتطرق في هذا
البحث القصير الى التطور الذي جاء به القانون
رقم_- 2312 وخاصة مبدأي الشفافية
والمنافسة؟وكذلك مدى توفيق المشرع في حماية المال العام من جهة و ابداء مرونة تجاه المتعاقدين من حهة أخرى.
اولا: تطور الإطار القانوني للصفقات العمومية
1-:
المرسوم
الرئاسي
رقم
15-247 لسنة
2015
كرّس المرسوم
الرئاسي رقم 15-247 المبادئ العامة
للصفقات العمومية، مثل
حرية الوصول إلى
الطلب العمومي، والمساواة
في معاملة المتعاملين
الاقتصاديين،
والشفافية في الإجراءات وهو ما جاء في المادة 5.
من
المرسوم غير أن تطبيق
هذه المبادئ عرف
بعض النقائص من
حيث الرقابة وضعف
آليات الطعن، مما
جعل المنافسة محدودة
في بعض الحالات.
2-
القانون
رقم
23-12
لسنة
2023
جاء القانون
رقم 23-12 ليحل محل
المرسوم السابق رقم 15-247 ، حيث رفع
الإطار القانوني للصفقات
إلى مستوى قانوني
أعلى، ونص في
المادة 5 على المبادئ
الأساسية الثلاثة: حرية
الوصول إلى الصفقات،
المساواة في المعاملة،
والشفافية في الإجراءات.
كما أضاف آليات
جديدة لتعزيز الرقابة
والرقمنة ونشر الصفقات
عبر المنصات الإلكترونية
الوطنية، مما يعزز
من شفافية العملية
التعاقدية ويحد من
الفساد الإداري.
ثانيا: تعزيز مبدأي الشفافية والمنافسة
1-:
مبدأ
الشفافية
تؤكد المادة
5 من القانون23-12 على
الشفافية كركيزة أساسية
في إبرام الصفقات
العمومية، من خلال
إلزام المصالح المتعاقدة
بنشر الإعلانات والنتائج
عبر البوابة الإلكترونية
الوطنية للصفقات العمومية،
وتمكين المتعاملين من
الوصول إلى المعلومات
بشفافية. وهذا يمثل
تطوراً ملموساً مقارنة
بالمرسوم 247-15الذي لم
يكن يعتمد على
الرقمنة بهذا الشكل.
2-:مبدأ
المنافسة
حرص المشرّع
في القانون 23-12 على تكريس
مبدأ المنافسة عبر
فتح باب المشاركة
أمام أكبر عدد
ممكن من المتعاملين،
وتبسيط إجراءات التأهيل
والمشاركة. كما نصت
المادة 6 على أن
كل صفقة تُبرم
قبل تنفيذ الالتزامات،
في إطار منافسة
عادلة، إلا في
الحالات الاستثنائية المنصوص
عليها صراحةً في
القانون. وهذا يعكس
رغبة المشرّع في
الحد من التعاقدات
المباشرة غير التنافسية.
3-
التوازن بين حماية المال العام ومرونة التعاقد الإداري
سعى المشرّع
إلى حماية المال
العام من خلال
إخضاع الصفقات لرقابة
مسبقة ومرافقة مالية
وقانونية، وفرض ضمانات
مالية كالتأمينات والكفالات
لضمان حسن التنفيذ.
ومن جهة أخرى،
حاول إدخال نوع
من المرونة من
خلال تبسيط الإجراءات
لصالح المقاولات الصغيرة
والمتوسطة، وتقليص آجال
التقييم والمصادقة. إلا
أن التطبيق العملي
ما زال يواجه
تحديات تتعلق بالكفاءة
الإدارية وتفعيل آليات
الرقابة الرقمية.
يمكن القول
إن المشرّع الجزائري
نجح في إرساء
قواعد أكثر وضوحاً
لحوكمة الصفقات العمومية
من خلال القانون
رقم 23-12، الذي
عزّز مبادئ الشفافية
والمنافسة، وساهم في
حماية المال العام
دون المساس بمرونة
الإجراءات. غير أن
نجاح هذا التوجه
يبقى رهيناً بمدى
فعالية التطبيق، والتزام
الهيئات المتعاقدة بتطبيق
النصوص بروحها لا
بحرفيتها، لضمان تسيير
أمثل للمال العام
وتحقيق التنمية المستدامة.
